ترى الكاتبة هند طه أن السودان يعيش اليوم مأساة مركّبة، حرباً قلبت حياة الناس رأساً على عقب، لكنها ليست بداية الأزمة بل امتداد لتاريخ طويل من الإهمال السياسي والتدخلات الخارجية والعقوبات التي أنهكت البلاد على مدى عقود. تروي الكاتبة كيف اندلعت الحرب في أبريل 2023 بينما كان السودانيون يستعدون لعيد الفطر، فتحولت الفرحة إلى نزوح وخوف ودمار شامل، ومع ذلك ظل الناس متمسكين بشبكات التضامن الأهلي التي طالما أنقذتهم حين غابَت الدولة.

تشير أوبن ديموكراسي إلى أن العقوبات الغربية حرمت السودانيين من الاندماج في الاقتصاد العالمي، ودفعت أعداداً كبيرة للهجرة بحثاً عن فرص وموارد. وعندما اندلعت الحرب، انكشفت هشاشة المؤسسات الدولية التي سرعان ما تخلّت عن المواطنين العالقين في السفارات، تاركة وثائقهم وأوراقهم خلفها. تصف الكاتبة تلك اللحظة بأنها درس قاسٍ في حقيقة "الاهتمام الدولي"، إذ تراجع حق السودانيين في التنقل والحصول على الدعم إلى أدنى قائمة الأولويات.

تنتقد طه تجاهل الإعلام العالمي لأكبر أزمة نزوح في العالم، وكيف اختُزِلَت المأساة في أرقام باردة وعناوين سطحية. وتستغرب من ازدواجية المعايير بين التعامل مع اللاجئين الأوكرانيين الذين فُتحت لهم الحدود وأُقيمت لهم شبكات دعم، وبين السودانيين الذين ووجهوا بالمنع والتجاهل. ترى أن هذا التمييز ليس صدفة، بل انعكاس لسياسات ممنهجة تُقصي شعوباً بعينها من التعاطف والاهتمام.

من تجربتها الشخصية، تصف الكاتبة عجزها عن تجديد جوازات عائلتها، وتحدّث عن انقطاع الإنترنت وانهيار الخدمات المصرفية، ما جعل البقاء في البلاد صراعاً يومياً من أجل النجاة. وسط هذا الظلام، برزت مبادرات محلية مثل مطابخ مجتمعية ومشروعات نسائية صغيرة في مدن الشمال، حيث أعاد النازحون بناء حياتهم من الصفر. تكتب هند عن نساء يبعن الطعام والعطور لتغطية احتياجات أسرهن، وعن رجال فقدوا وظائفهم المستقرة وتحولوا إلى أعمال مؤقتة أو مهن جديدة في الداخل والخارج.

تنتقد الكاتبة كذلك الدول المتدخلة في الحرب، خصوصاً الإمارات التي تعرض تأشيرات "إنسانية" بينما تتهمها تقارير دولية بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع. هذه القوات، التي انقلبت على الدولة ونهبت البيوت والمصانع، حوّلت الخرطوم ومدن السودان إلى أنقاض. تروي هند كيف زار أقاربها منزل العائلة بعد استعادته فوجدوه عارياً من كل شيء حتى الأسلاك الكهربائية، في مشهد يلخص الخراب المادي والمعنوي الذي خلّفته الحرب.

تؤكد الكاتبة أن إعادة بناء السودان لن تأتي من قرارات سياسية ولا من مؤتمرات المانحين، بل من عزيمة الناس أنفسهم. فالمواطنون الذين خسروا كل شيء هم من يعيدون ترميم ما تهدّم، بدمهم وعرقهم ومدخراتهم القليلة. وتقول إن الحياة تعود تدريجياً في المدن المحررة، رغم نقص الكهرباء والماء والدواء، لأن الناس قرروا أن يعيشوا رغم كل شيء.

وتخلص هند طه إلى أن تجربة الحرب غيّرت نظرتها إلى النظام الدولي بأسره، إذ أدركت أنه لا يفشل مصادفة بل يعمل وفق منطق ظالم يخدم مصالح الدول الكبرى ويتجاهل معاناة الشعوب. ترى أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية فقدت صدقيتها حين تجاهلت الإبادة في السودان وفلسطين، وأن ما يحدث ليس "خللاً" في النظام بل أداءً مقصوداً لوظيفة جائرة.

تدعو الكاتبة إلى إصلاح جذري في النظام الدولي يضع احتياجات اللاجئين والضحايا في قلب السياسات، لا في هوامشها. وتؤمن بأن الإنصات الحقيقي لروايات الناس هو الطريق الوحيد نحو عدالة إنسانية حقيقية، إذ لا يمكن للعالم أن يدّعي الإنسانية بينما يغضّ بصره عن الذين يحترقون في الظل. تقول في ختام مقالتها إن السودان، مهما طالت مأساته، سيُعاد بناؤه بسواعد أبنائه، لا بوعود الخارج.

https://www.opendemocracy.net/en/beyond-trafficking-and-slavery/the-world-doesnt-care-about-sudan-war-refugees-its-up-to-us-to-rebuild/